محمد بن راشد.. التفكير والقرار والتنفيذ
التاريخ:
عندما يكون الحديث عن شخصية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، فإن ذلك سيكون تحدياً كبيراً لمن يرغب في الكتابة عن هذه الشخصية.
الشيخ محمد بن راشد كما يبدو لمتابعيه، شخصية مختلفة تماماً في كل شيء، لأن النمط القيادي الذي يظهر به سمو الشيخ محمد مرتبط بالإنجازات الحقيقية على الواقع، فهذا الرجل يتحدى الواقع بالإنجاز، ويذهب إلى المستقبل دائماً بالطموحات، لأنه يتحدث بلغة المستقبل، ويعرفها بشكل غير معتاد في أوطاننا العربية.
أدرك أنني أمام شخصية مختلفة. فهذا الإنسان ومن تجربة شخصية يمقت المديح والمبالغة. وقد مررت بتجربة شخصية أمام هذا الرجل، واكتشفت أن واقعيته ووعيه الفكري يقودانه دائماً إلى أن يكون بعيداً عن مسار المديح. ولهذا السبب، وعندما قررت أن أكتب عن هذه الشخصية اخترت أن لا أكيل المديح، ولكنني سأكتب عن رجل قدمه لنا تاريخ الخليج العربي كرجل تتحدث إنجازاته عن إمكانات قيادية. ففي هذا الرجل: حزم حاكم، وعقل مفكر، وقلب إنسان، وسلوك قائد.
ليسمح لي سمو الشيخ أن أصفه بهذه الصفات، ولكن لكل واحدة منها أمتلك مبرراً عملياً على وجودها في هذا الإنسان صاحب السمو الشيخ محمد. وفي يوم من الأيام وقبل سنوات ما زلت أتذكرها جيداً. بدأت قصتي مع هذه الشخصية، ولم يكن السبب أنني التقيته أو عرفته عن قرب، فأنا لم التق الشيخ محمد كثيراً، وهو لا يعرفني بشخصي، وهذه حقيقة مهمة لا بد من الإشارة إليها.
في أحد الأيام قبل سنوات تتجاوز العقد من الزمان، كنت أتابع نقلاً مباشراً عبر المذياع لأحد سباقات الخيل، ولا أعلم أين كان ذلك السباق، ولكن ما يهمني أن الخيل التي فازت في ذلك السباق كان اسمها «النصر الوشيك»، ويملكها سمو الشيخ محمد. لم تكن الإثارة في الفوز بالنسبة لي، ولكن الإثارة كانت في التسمية. فقد كان هذا الاسم إبداعياً وفلسفياً أن يطلق على فرس تتنافس في الميدان مع بقية الخيول من أجل تحقيق المركز الأول.
«النصر الوشيك» لم يكن اسماً عادياً لتلك الفرس. لقد وقع في عقلي وأعجبت بهذا الاسم، وعندما عرفت أن مالك الفرس هو الشيخ محمد أدركت أن في هذه الشخصية عقلاً مفكراً كبيراً، ولن أبالغ أنني شغفت بهذا الاسم وشغفت بمن أبدعه. منذ ذلك اليوم وأنا أتبنى فلسفة النصر الوشيك في كل حياتي، حيث أضع نفسي في تحدٍّ مع كل شيء من أجل تحقيق النصر الذي لم يكن بعيداً بل كان وشيكاً، كما هي فرس الشيخ محمد بن راشد التي فازت في السباق.
هذه العقلية التي أبدعت اسم «النصر الوشيك» هي ذاتها التي أبدعت في صناعة إمارة دبي التي كتبت عنها مقالاً قبل أسابيع تحت عنوان (دبي ليست مدينة... بل طريقة تفكير) إنه النصر الوشيك الذي تحقق يا صاحب السمو، وبعد هذه السنوات لم يعد النصر وشيكاً بل أصبح النصر حقيقة، وها هي دبي وها هي دولة الإمارات الجارة القريبة من وطني الحبيب المملكة العربية السعودية، تحقق أكبر الإنجازات الدولية.
كتب الشيخ محمد بن راشد في كتابه «ومضات فكرية» هذه العبارة «لن نعيش مئات السنين، ولكن يمكن أن نبدع شيئاً يستمر لمئات السنين» هذه الرؤية لا يمكن أن ينتجها عقل لا يرى سوى أمتار قليلة من العمر أمامه.
هذه الفلسفة أبعد من أن يحتملها أو ينطق بها سوى عقل مدرك، وهنا أعود إلى مستهل هذا المقال، حيث كتبت أن سمو الشيخ محمد تجتمع فيه من الصفات ما جعله يتمتع: بحزم حاكم، وعقل مفكر، وقلب إنسان، وسلوك قائد، وفي الكتاب ذاته عكس سموه هذه السمات، وغيرها كثير لم أستطع الإشارة إليه في هذا المقال فعندما قال حفظه الله:
أولاً:« وظيفة الحكومة هي تحقيق السعادة للمجتمع، نعم، عملنا اليومي هو تحقيق السعادة» أليس ذلك (حزم حاكم).
ثانياً: « من حقنا أن نحلم لدولتنا بأن تكون من أفضل دول العالم» أليس ذلك (عقل مفكر).
ثالثاً: «هل يستطيع أحدنا أن يحيا بغير أم أو أخت... وهل تحلو الحياة بغير روح الحياة» أليس ذلك (قلب إنسان).
رابعاً: «رؤيتنا للحكومة أنها ليست كياناً منفصلاً عن الناس، بل هي جزء منهم» أليس ذلك (سلوك قائد).
عودوا إلى الكتاب لتدركوا أنني لم اختر سوى القليل من طموحات هذه الشخصية التي كانت ترى النصر وشيكاً، ثم أصبحت تعيش النصر عبر منظومة من الإبداعات والطموحات الحقيقية. دبي اليوم هي مدينة العالم كله كل شيء في دبي مختلف، وكل شيء إبداعي وعلى غير العادة، ولكن لماذا..؟ لأن المال وحده لا يصنع المستحيل، العقل وحده هو الذي يصنع المستحيل، ويوظف الكثير من الإمكانات البشرية والمادية من أجل تحقيق النصر.
سمو الشيخ محمد اقبل مني هذه الكلمات التي أدرك أنها لن تفيك حقك، واقبل مباركتي لسموكم الكريم بمناسبة مرور عقد من الزمان على حكمكم لدبي، وأرجو أن تقبلني في مدرستك الفكرية تلميذاً يرغب في التعلم في المجال الفكري، متابعاً لإنجازاتك وإبداعاتك. فمنذ تلك اللحظة التي عرفت فيها ذلك الاسم ( النصر الوشيك) وأنا أتطلع إلى تلك العقلية التي أبدعته.
هنيئاً لدبي والإمارات الحبيبة التي استطاعت عبر العقول العالمة والعاملة والمتطلعة أن تحقق إنجازات وضعتها في مسار التحدي، فها هي دبي التي وضعت نفسها على قطار التنافس الدولي، فالمستقبل هو نقطة اللانهاية.
* كاتب ومحلل سياسي سعودي
تعليقات
إرسال تعليق